الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **
وتجوز ذكاة المرأة والرجل، وتذبح المرأة وإن كانت حائضًا؛ فإن حيضتها ليست في يدها، وذكاة المرأة جائزه باتفاق المسلمين، وقد ذبحت امرأة شاة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأكلها.
فأجاب: إذا كان الجرح غير موح وغاب رأس الحيوان في الماء لم يحل أكله، فإنه اشترك في حكمه الحاضر والمبيح، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم: (إن خالط كلبك كلاب فلا تأكل، فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره). وإن كان بدنه في الماء ورأسه خارج الماء لم يضر ذلك شيئًا. وإن كان الجرح موحيًا ففيه نزاع معروف.
/ فأجاب: إذا خرج منها الذي يخرج من الحي المذبوح في العادة هو دم الحي فإنه يحل أكلها في أظهر قولي العلماء، والله ـ تعالى ـ أعلم.
فأجاب: الحمد لله رب العالمين، هذه المسألة فيها نزاع معروف . وأظهر الأقوال أنها إذا تحركت عند الذبح وجرى دمها أكلت؛ فهذا هو المنقول عن الصحابة ، وعليه يدل الكتاب والسنة، فإن الله ـ تعالى ـ قال: {وَالْمُنْخَنِقَةُ } إلى قوله: /وأما ما وقع في بئر ونحوها ولم يوصل إلى مذبحه فتجرح حيث أمكن مثل الطعن في فخذها، كما يفعل بالصيد الممتنع، وتباح بذلك عند جمهور العلماء، إلا أن يكون أعان على موتها سبب آخر: مثل أن يكون رأسها غاطسًا في الماء، فتكون قد ماتت بالجرح والغرق، فلا تباح حينئذ، والله أعلم.
فأجاب: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: لكن تنازع العلماء فيما يذكى من ذلك، فمنهم من قال: ما تيقن موته لا يذكى، كقول مالك، ورواية عن أحمد. ومنهم من يقول: ما يعيش معظم اليوم ذكى. ومنهم من يقول: ما كانت فيه حياة مستقرة ذكى، كما يقوله من يقوله من أصحاب الشافعي وأحمد. ثم من هؤلاء من يقول: الحياة المستقرة ما يزيد على حركة المذبوح، ومنهم من يقول: ما يمكن أن يزيد على حياة المذبوح. والصحيح: أنه إذا كان حيًا فذكى حل أكله، ولا يعتبر في ذلك حركة مذبوح؛ فإن حركات المذبوح لا تنضبط؛ بل فيها ما يطول زمانه وتعظم حركته. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا)، فمتى جرى الدم الذي يجرى من المذبوح الذي ذبح وهو حي حل أكله. والناس يفرقون بين دم ما كان حيًا ودم ما كان ميتًا؛ فإن الميت يجمد دمه ويسود؛ ولهذا حرم الله الميتة؛ لاحتقان الرطوبات فيها، فإذا جرى منها الدم الذي يخرج من المذبوح الذي ذبح وهو حى حل أكله، وإن تيقن / أنه يموت؛ فإن المقصود ذبح، وما فيه حياة فهو حى وإن تيقن أنه يموت بعد ساعة، فعمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ تيقن أنه يموت وكان حيًا، جازت وصيته، وصلاته وعهوده. وقد أفتى غير واحد من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ بأنها إذا مصعت بذنبها أو طرفت بعينها، أو ركضت برجلها بعد الذبح، حلت، ولم يشرطوا أن تكون حركتها قبل ذلك أكثر من حركة المذبوح، وهذا قاله الصحابة؛ لأن الحركة دليل على الحياة، والدليل لا ينعكس، فلا يلزم إذا لم يوجد هذا منها أن تكون ميتة، بل قد تكون حية وإن لم يوجد منها مثل ذلك. والإنسان قد يكون نائمًا فيذبح وهو نائم ولا يضطرب، وكذلك المغمى عليه يذبح ولا يضطرب، وكذلك الدابة قد تكون حية فتذبح ولا تضطرب لضعفها عن الحركة وإن كانت حية، ولكن خروج الدم الذي لا يخرج إلا من مذبوح وليس هو دم الميت دليل على الحياة، والله أعلم.
/وقال شيخ الإسلام ـ قدس الله روحه: والتسمية على الذبيحة مشروعة، لكن قيل: هي مستحبة كقول الشافعي. وقيل: واجبة مع العمد وتسقط مع السهو كقول أبي حنيفة ومالك وأحمد في المشهور عنه. وقيل: تجب مطلقًا، فلا تؤكل الذبيحة بدونها، سواء تركها عمدًا، أو سهوًا كالرواية الأخرى عن أحمد اختارها أبو الخطاب وغيره، وهو قول غير واحد من السلف. وهذا أظهر الأقوال؛ فإن الكتاب والسنة قد علق الحل بذكر اسم الله في غير موضع؛ كقوله: /وثبت في الصحيح أن الجن سألوه الزاد لهم ولدوابهم فقال: (لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه أوفر ما يكون لحمًا، وكل بعرة علفًا لدوابكم)، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فلا تستنجوا بهما؛ فإنهما زاد إخوانكم من الجن)، فهو صلى الله عليه وسلم لم يبح للجن المؤمنين إلا ما ذكر اسم الله عليه، فكيف بالإنس، ولكن إذا وجد الإنسان لحمًا قد ذبحه غيره جاز له أن يأكل منه، ويذكر اسم الله عليه؛ لحمل أمر الناس على الصحة والسلامة، كما ثبت في الصحيح أن قومًا قالوا: يا رسول الله، إن ناسا حديثي عهد بالإسلام يأتون باللحم ولا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لم يذكروا، فقال: (سموا أنتم وكلوا).
فأجاب: الحمد لله، التسمية عليها واجبة بالكتاب والسنة، وهو قول جمهور العلماء، لكن إذا لم يعلم الإنسان هل سمى الذابح أم لم يسم أكل منها، وإن تيقن أنه لم يسم لم يأكل، وكذلك الأضحية.
القاعدة الخامسة في الأيمان، والنذور قال الله تعالى: أحدها: اليمين بالله، وما في معناها مما فيه التزام كفر على تقدير الخبر؛ كقوله: هو يهودي أو نصراني إن فعل كذا، على ما فيه من الخلاف بين الفقهاء. الثاني: اليمين بالنذر الذي يسمى نذر اللجاج والغضب؛ كقوله: على الحج لا أفعل كذا، أو إن فعلت كذا فعلى الحج، أو مالي صدقة إن فعلت كذا، ونحو ذلك. الثالث: اليمين بالطلاق. الرابع: اليمين بالعتاق. الخامس: اليمين بالحرام؛ كقوله: على الحرام لا أفعل كذا. السادس: الظهار؛ كقوله: أنت على كظهر أمي إن فعلت كذا فهذا مجموع ما يحلف به المسلمون مما فيه حكم. /فأما الحلف بالمخلوقات كالحلف بالكعبة، أو قبر الشيخ، أو بنعمة السلطان، أو بالسيف، أو بجاه أحد من المخلوقين، فما أعلم بين العلماء خلافاً أن هذه اليمين مكروهة منهي عنها، وأن الحلف بها لا يوجب حنثاً، ولا كفارة، وهل الحلف بها محرم، أو مكروه كراهة تنزيه؟ فيه قولان في مذهب أحمد وغيره: أصحهما أنه محرم. ولهذا قال أصحابنا كالقاضي أبي يعلى وغيره: إنه إذا قال: أيمان المسلمين تلزمني إن فعلت كذا، لزمه ما يفعله في اليمين بالله والنذر والطلاق والعتاق والظهار، ولم يذكروا الحرام؛ لأن يمين الحرام ظهار عند أحمد وأصحابه، فلما كان موجبها واحدا عندهم دخل الحرام في الظهار، ولم يدخل النذر في اليمين بالله وإن جاز أن يكفر يمينه بالنذر؛ لأن موجب الحلف بالنذر المسمى بنذر اللجاج والغضب عند الحنث هو التخيير بين التكفير وبين فعل المنذور، وموجب الحلف بالله هو التكفير فقط، فلما اختلف موجبهما جعلوهما يمينين، نعم إذا قالوا بالرواية الأخرى عن أحمد، وهو أن الحلف بالنذر موجبه الكفارة فقط دخلت اليمين بالنذر في اليمين بالله تعالى، أما اختلافهم واختلاف غيرهم من العلماء في أن مثل هذا الكلام، هل تنعقد به اليمين، أولا تنعقد؟ فسأذكره إن شاء الله تعالى، وإنما غرضي هنا حصر الأيمان التي يحلف بها المسلمون. وأما أيمان البيعة فقالوا: أول من أحدثها الحجاج بن يوسف الثقفي وكانت السنة أن الناس يبايعون الخلفاء كما بايع الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم / يعقدون البيعة كما يعقدون عقد البيع والنكاح ونحوها، وإما أن يذكروا الشروط التي يبايعون عليها، ثم يقولون: بايعناك على ذلك، كما بايعت الأنصار النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، فلما أحدث الحجاج ما أحدث من العسف كان من جملته أن حلف الناس على بيعتهم لعبد الملك بن مروان بالطلاق والعتاق واليمين بالله وصدقة المال، فهذه الأيمان الأربعة هي كانت أيمان البيعة القديمة المبتدعة ثم أحدث المستخلفون عن الأمراء من الخلفاء والملوك وغيرهم أيماناً كثيرة أكثر من تلك، وقد تختلف فيها عاداتهم، ومن أحدث ذلك فعليه إثم ما ترتب على هذه الأيمان من الشر. المقدمة الثانية: أن هذه الأيمان يحلف بها تارة بصيغة القسم، وتارة بصيغة الجزاء ولهذا عقد الفقهاء لمسائل الأيمان بابين أحدهما: باب تعليق الطلاق بالشروط، فيذكرون فيه الحلف بصيغة الجزاء، كإن ومتى، وإذا، وما أشبه / ذلك، وإن دخل فيه صيغة القسم ضمناً وتبعاً، والباب الثاني: باب جامع الأيمان، مما يشترك فيه الحلف بالله والطلاق والعتاق وغير ذلك، فيذكرون فيه الحلف بصيغة القسم، وإن دخلت صيغة الجزاء ضمناً وتبعاً، ومسائل أحد البابين مختلطة بمسائل الباب الآخر، لاتفاقهما في المعنى كثيرا، أو غالباً، وكذلك طائفة من الفقهاء ـ كأبي الخطاب وغيره ـ لما ذكروا في كتاب الطلاق باب تعليق الطلاق بالشروط أردفوه بباب جامع الأيمان، وطائفة أخرى كالخرقي والقاضي أبي يعلى وغيرهما إنما ذكروا باب جامع الأيمان في كتاب الأيمان؛ لأنه أمس. ونظير هذا باب حد القذف منهم من يذكره عند باب اللعان لاتصال أحدهما بالآخر، ومنهم من يؤخره إلى كتاب الحدود؛ لأنه به أخص. وإذا تبين أن لليمين صيغتين: صيغة القسم، وصيغة الجزاء، فالمقدم في صيغة القسم مؤخر في صيغة الجزاء، والمؤخر في صيغة الجزاء مقدم في صيغة القسم، والشرط المثبت في صيغة الجزاء منفي في صيغة القسم؛ فإنه إذا قال: الطلاق يلزمني لا أفعل كذا، فقد حلف بالطلاق ألا يفعل، فالطلاق مقدم مثبت، والفعل مؤخر منفي. فلو حلف بصيغة الجزاء فقال: إن فعلت كذا فامرأتي طالق كأن يقدم الفعل مثبتاً ويؤخر الطلاق منفياً، كما أنه في القسم قدم الحكم وأخر الفعل،وبهذه القاعدة تنحل مسائل من مسائل الأيمان. /فأما صيغة الجزاء فهي جملة فعلية في الأصل؛ فإن أدوات الشرط لا يتصل بها في الأصل إلا الفعل. وأما صيغة القسم فتكون فعلية، كقوله أحلف بالله، أو تالله، أو والله، ونحو ذلك. وتكون اسمية كقوله: لعمر الله لأفعلن، والحل على حرام لأفعلن. ثم هذا التقسيم ليس من خصائص الأيمان التي بين العبد وبين الله، بل غير ذلك من العقود التي تكون بين الآدميين. تارة تكون بصيغة التعليق الذي هو الشرط والجزاء؛ كقوله في الجعالة: من رد عبدي الآبق فله كذا، وقوله في السبق: من سبق فله كذا. وتارة بصيغة التنجيز: إما صيغة خبر كقوله: بعت وزوجت، وإما صيغة طلب؛ كقوله: بعني واخلعني. بل يكون مقصوده عدم الشرط فقط، أو الجزاء فقط، أو عدمهما. فالأول بمنزلة كثير من صور الخلع، والكتابة، ونذر التبرر، والجعالة، ونحوها، فإن الرجل إذا قال لامرأته. إن أعطيتني ألفاً فأنت طالق، أو فقد خلعتك، أو قال لعبده: إن أديت ألفاً فأنت حر، أو قال: إن رددت عبدي الآبق فلك ألف، أو قال: إن شفي الله مريضي، أو / سلم مالي الغائب، فعلي عتق كذا، والصدقة بكذا، فالمعلق قد لا يكون مقصوده إلا أخذ المال ورد العبد وسلامة العتق والمال، وإنما التزم الجزاء علي سبيل العوض كالبائع الذي إنما مقصوده أخذ الثمن والتزم رد المبيع علي سبيل العوض، فهذا الضرب شبيه بالمعاوضة في البيع والإجارة، وكذلك إذا كان قد جعل الطلاق عقوبة لها مثل أن يقول: إذا ضربت أمي فأنت طالق، أو إن خرجت من الدار فأنت طالق، فإنه في الخلع عاوضها بالتطليق عن المال؛ لأنها تريد الطلاق، وهنا عوضها عن معصيتها بالطلاق. وأما الثاني فمثل أن يقول لامرأته: إذا طهرت فأنت طالق، أو يقول لعبده: إذا مت فأنت حر، أو إذا جاء رأس الحول فأنت حر، أو فمالي صدقة، ونحو ذلك من التعليق الذي هو توقيت محض، فهذا الضرب بمنزلة المنجز في أن كل واحد منهما قصد الطلاق والعتاق، وإنما أخره إلي الوقت المعين، بمنزلة تأجيل الدين، وبمنزلة من يؤخر الطلاق من وقت إلي وقت لغرض له في التأخير، لا لعوض، ولا لحث علي طلب، أو خبر؛ ولهذا قال الفقهاء من أصحابنا وغيرهم: إذا حلف أنه لا يحلف مثل أن يقول: واللّه لا أحلف بطلاقك أو إن حلفت بطلاقك فعبدي حر، أو فأنت طالق، فإنه إذا قال: إن دخلت أو لم تدخلي ونحو ذلك مما فيه معني الحض أو المنع فهو حالف ولو كان تعليقًا محضًا، كقوله: إذا طلعت الشمس فأنت طالق، أو إن طلعت الشمس، فاختلفوا فيه، فقال أصحاب الشافعي: ليس بحالف، وقال أصحاب أبي حنيفة والقاضي في الجامع : هو حالف. /وأما الثالث ـ وهو أن يكون مقصوده وجودهما جميعا ـ فمثل الذي قد آذته امرأته حتي أحب طلاقها واسترجاع الفدية منها، فيقول: إن أبرأتني من صداقك أو من نفقتك، فأنت طالق، وهو يريد كلا منهما. وأما الرابع ـ وهو أن يكون مقصوده عدم الشرط لكنه إذا وجد لم يكره الجزاء، بل يحبه، أو لا يحبه ولا يكرهه ـ فمثل أن يقول لامرأته: إن زنيت فأنت طالق، أو إن ضربت أمي فأنت طالق، ونحو ذلك من التعليق الذي يقصد فيه عدم الشرط، ويقصد وجود الجزاء عند وجوده، بحيث تكون إذا زنت أو إذا ضربت أمه يجب فراقها؛ لأنها لا تصلح له، فهذا فيه معني اليمين ومعني التوقيت، فإنه منعها من الفعل، وقصد إيقاع الطلاق عنده، كما قصد إيقاعه عند أخذ العوض منها، أو عند طهرها، أو طلوع الهلال. وأما الخامس ـ وهو أن يكون مقصوده عدم الجزاء، وتعليقه بالشرط لئلا يوجد، وليس له غرض في عدم الشرط ـ فهذا قليل، كمن يقول: إن أصبت مائة رمية أعطيتك كذا. وأما السادس ـ وهو أن يكون مقصوده عدم الشرط والجزاء وإنما تعلق الجزاء بالشرط ليمتنع وجودهما : فهو مثل نذر اللجاج والغضب / ومثل الحلف بالطلاق والعتاق علي حض أو منع أو تصديق أو تكذيب مثل أن يقال له: تصدق، فيقول: إن تصدق فعليه صيام كذا وكذا، أو فامرأته طالق، أو فعبيده أحرار، أو يقول: إن لم أفعل كذا وكذا فعلي نذر كذا، أو امرأتي طالق، أو عبدي حر. أو يحلف علي فعل غيره ممن يقصد منعه ـ كعبده ونسيبه وصديقه ممن يحضه علي طاعته ـ فيقول له: إن فعلت، أو إن لم تفعل، فعلي كذا، أو فامرأتي طالق، أو فعبدي حر، ونحو ذلك، فهذا نذر اللجاج والغضب. وهذا وما أشبهه من الحلف بالطلاق والعتاق يخالفه في المعني نذر التبرر والتقرب ، وما أشبهه من الخلع و الكتابة؛ فإن الذي يقول: إن سلمني اللّه، أو سلم مالي من كذا، أو إن أعطاني اللّه كذا، فعلي أن أتصدق، أو أصوم، أو أحج، قصده حصول الشرط الذي هو الغنيمة أو السلامة، وقصد أن يشكر اللّه علي ذلك بما نذره له، وكذلك المخالع والمكاتب قصده حصول العوض وبذل الطلاق والعتاق عوضًا عن ذلك،وأما النذر في اللجاج والغضب إذا قيل له: افعل كذا فامتنع من فعله، ثم قال: إن فعلته فعلي الحج أو الصيام، فهنا مقصوده ألا يكون الشرط، ثم إنه لقوة امتناعه ألزم نفسه أن فعله بهذه الأمور الثقيلة عليه؛ليكون لزومها له إذا فعل مانعا له من الفعل،وكذلك إذا قال:إن فعلته فامرأتي طالق، أو فعبيدي أحرار،إنما مقصوده الامتناع والتزم بتقدير الفعل ماهو شديد عليه / من فراق أهله وذهاب ماله،ليس غرض هذا أن يتقرب إلي اللّه بعتق أو صدقة ولا أن يفارق امرأته. ولهذا سمي العلماء هذا نذر اللجاج والغضب، مأخوذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجاه في الصحيحين؛ (لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند اللّه من أن يأتي الكفارة التي فرض اللّه له)، فصورة هذا النذر صورة نذر التبرر في اللفظ، ومعناه شديد المباينة لمعناه. ومن هنا نشأت الشبهة التي سنذكرها في هذا الباب ـ إن شاء اللّه تعالي ـ علي طائفة من العلماء، ويتبين فقه الصحابة ـ رضي اللّه عنهم ـ الذين نظروا إلي معاني الألفاظ لا إلي صورها. إذا ثبتت هذه الأنواع الداخلة في قسم التعليق فقد علمت أن بعضها معناه معني اليمين بصيغة القسم، وبعضها ليس معناه ذلك ، فمتي كان الشرط المقصود حضًا علي فعل، أو منعًا منه، أو تصديقًا لخبر، أو تكذيبًا، كان الشرط مقصود العدم هو وجزاؤه؛ كنذر اللجاج، والحلف بالطلاق علي وجه اللجاج والغضب. القاعدة الأولي: أن الحالف بالله ـ سبحانه وتعالي ـ قد بين الله ـ تعالي ـ حكمه بالكتاب والسنة والإجماع، فقال تعالي: وأما في السنة ففي الصحيحين عن عبد الله بن سمرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (يا عبد الرحمن، لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها. وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها، وإذا حلفت علي يمين فرأيت غيرها خيرًا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك). فبين له النبي صلى الله عليه وسلم حكم الأمانة الذي هو الإمارة، وحكم العهد الذي هو اليمين. وكانوا في أول الإسلام لا مخرج لهم من اليمين قبل أن تشرع الكفارة؛ ولهذا قالت عائشة: كان أبو بكر لا يحنث في يمين، حتي أنزل الله كفارة اليمين؛ وذلك لأن اليمين بالله عقد بالله فيجب الوفاء به، كما يجب بسائر العقود وأشد؛ لأن قوله: أحلف بالله، أو أقسم بالله، ونحو ذلك، في معنى قوله: أعقد بالله؛ ولهذا عدي بحرف الإلصاق الذي يستعمل في الربط والعقد فينعقد المحلوف عليه بالله كما تنعقد إحدي اليدين بالأخري في المعاقدة؛ ولهذا سماه الله عقدًا في قوله: /ونظير الرخصة في كفارة اليمين بعد عقدها الرخصة ـ أيضًا ـ في كفارة الظهار بعد أن كان الظهار في الجاهلية وأول الإسلام طلاقًا، وكذلك الإيلاء كان عندهم طلاقًا، فإن هذا جار علي قاعدة وجوب الوفاء بمقتضي اليمين، فإن الإيلاء إذا وجب الوفاء بمقتضاه من ترك الوطء صار الوطء محرمًا، وتحريم الوطء تحريمًًا مطلقًا مستلزم لزوال الملك الذي هو الطلاق، وكذلك الظهار إذا وجب التحريم فالتحريم مستلزم لزوال الملك؛ فإن الزوجة لا تكون محرمة علي الإطلاق؛ ولهذا قال ـ سبحانه : ولهذا استدل من استدل من أصحابنا وغيرهم ـ كأبي بكر عبد العزيز ـ بهذه الآية علي التكفير قبل الحنث؛ لأن التحلة لا تكون بعد الحنث؛ فإنه بالحنث تنحل اليمين، وإنما تكون التحلة إذا أخرجت قبل الحنث لتنحل اليمين وإنما هي بعد الحنث كفارة؛ لأنها كفرت ما في الحنث من سبب الإثم لنقض عهد الله، فإذا تبين أن ما اقتضته اليمين من وجوب الوفاء بها رفعه الله عن هذه الأمة بالكفارة التي جعلها بدلاً من الوفاء في جملة ما رفعه عنها من الآصار التي نبه عليها بقوله: /فالأفعال ثلاثة: إما طاعة، وإما معصية، وإما مباح. فإذا حلف ليفعلن مباحًا أو ليتركنه فهاهنا الكفارة مشروعة بالإجماع. وكذلك إذا كان المحلوف عليه فعل مكروه أو ترك مستحب وهو المذكور في قوله تعالي:
|